فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والسادس: لأنها نزلت مرتين، ذكره الحسين بن الفضل.
والسابع: لأن كلماتها مثنّاة، مثل: الرحمن الرحيم، إِياك إِياك، الصراط صراط، عليهم عليهم، غير غير، ذكره بعض المفسرين.
ومن أعظم فضائلها أن الله تعالى جعلها في حيِّزٍ، والقرآن كله في حيِّزٍ، وامتنَّ عليه بها امتنَّ عليه بالقرآن كله.
والقول الثاني: أنها السبع الطُّوَل، قاله ابن مسعود في رواية، وابن عباس في رواية، وسعيد بن جبير في رواية، ومجاهد في رواية، والضحاك.
فالسبع الطُّوَل هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، وفي السابعة ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها يونس، قاله سعيد بن جبير.
والثاني: براءة قاله أبو مالك.
والثالث: الأنفال وبراءة جميعًا، رواه سفيان عن مسعر عن بعض أهل العلم.
قال ابن قتيبة: وكانوا يرون الأنفال وبراءة سورة واحدة، ولذلك لم يفصلوا بينهما.
قال شيخنا أبو منصور اللغوي: هي الطُّوَل، ولا تَقُلها بالكسر، فعلى هذا، في تسميتها بالمثاني قولان:
أحدهما: لأن الحدود والفرائض والأمثال ثنِّيت فيها، قاله ابن عباس.
والثاني: لأنها تجاوز المائة الأولى إِلى المائة الثانية، ذكره الماوردي.
والقول الثالث: أن السبع المثاني سبع معان أُنزلت في القرآن: أمر، ونهي، وبشارة، وإِنذار، وضرب الأمثال، وتعداد النِّعَم، وأخبار الأُمم، قاله زياد بن أبي مريم.
والقول الرابع: أن المثاني: القرآن كلُّه، قاله طاووس، والضحاك، وأبو مالك، فعلى هذا، في تسمية القرآن بالمثاني أربعة أقوال:
أحدها: لأن بعض الآيات يتلو بعضًا، فتثنَّى الآخرة على الأولى، ولها مقاطع تفصل الآية بعد الآية حتى تنقضيَ السورة، قاله أبو عبيدة.
والثاني: أنه سمي بالمثاني لِما يتردَّد فيه من الثناء على الله عز وجل.
والثالث: لما يتردَّد فيه من ذِكْر الجنة، والنار، والثواب، والعقاب.
والرابع: لأن الأقاصيص، والأخبار، والمواعظ، والآداب، ثنِّيت فيه، ذكرهن ابن الأنباري.
وقال ابن قتيبة: قد يكون المثاني سور القرآن كله، قصارها وطوالها، وإِنما سمي مثاني، لأن الأنباء والقصص تثنّى فيه، فعلى هذا القول، المراد بالسبع: سبعة أسباع القرآن، ويكون في الكلام إِضمار، تقديره: وهي القرآن العظيم.
فأما قوله: {من المثاني} ففي مِن قولان:
أحدهما: أنها للتبعيض، فيكون المعنى: آتيناك سبعًا من جملة الآيات التي يُثنى بها على الله تعالى، وآتيناك القرآن.
والثاني: أنها للصفة، فيكون السبع هي المثاني، ومنه قوله: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} [الحج 30]. لا أن بعضها رجس، ذكر الوجهين الزجاج، وقد ذكرنا عن ابن الأنباري قريبًا من هذا المعنى.
قوله تعالى: {والقرآنَ العظيمَ} يعني: العظيم القَدْر، لأنه كلامُ الله تعالى، ووحيُه.
وفي المراد به هاهنا قولان:
أحدهما: أنه جميع القرآن.
قاله ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، والضحاك.
والثاني: أنه الفاتحة أيضًا، قاله أبو هريرة، وقد روينا فيه حديثا في أول تفسير الفاتحة قال ابن الأنباري: فعلى القول الأول، يكون قد نُسق الكُلُّ على بعض، كما يقول العربي: رأيت جدار الدار والدار، وإِنما يصلح هذا، لأن الزيادة التي في الثاني من كثرة العدد أشبهَ بها ما يغاير الأولَ، فجوَّز ذلك عطفَه عليه.
وعلى القول الثاني، نُسِق الشيء على نفسه لمَّا زِيد عليه معنى المدح والثناء، كما قالوا: روي ذلك عن عمر، وابن الخطاب.
يريدون بابن الخطاب: الفاضلَ العالم الرفيع المنزلة، فلما دخلته زيادة، أشبه ما يغاير الأول، فعُطف عليه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بالحق} أي للزوال والفناء.
وقيل: أي لأجازي المحسن والمسيء؛ كما قال: {وَلِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض لِيَجْزِيَ الذين أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ الذين أَحْسَنُواْ بالحسنى} [النجم: 31].
{وَإِنَّ الساعة لآتِيَةٌ} أي لكائنة فيُجزى كل بعمله.
{فاصفح الصفح الجميل} مثلُ {واهجرهم هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10]. أي تجاوز عنهم يا محمد، واعف عفوًا حسنًا؛ ثم نسخ بالسيف.
قال قتادة: نسخه قوله: {فَخُذُوهُمْ واقتلوهم حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ}.
وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لهم: «لقد جئتكم بالذَّبْح وبُعثت بالحصاد ولم أبعث بالزراعة»؛ قاله عكرمة ومجاهد.
وقيل: ليس بمنسوخ، وأنه أمرٌ بالصفح في حق نفسه فيما بينه وبينهم.
والصفح: الإعراض؛ عن الحسن وغيره.
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخلاق} أي المقدّر للخلق والأخلاق.
{العليم} بأهل الوفاق والنفاق.
{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)}
اختلف العلماء في السبع المثاني؛ فقيل: الفاتحة؛ قاله عليّ بن أبي طالب وأبو هريرة والربيع بن أنس وأبو العالية والحسن وغيرهم، ورُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من وجوه ثابتة، من حديث أُبَيّ بن كعب وأبي سعيد بن المُعَلَّى.
وقد تقدّم في تفسير الفاتحة.
وخرّج الترمذي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني» قال: هذا حديث حسن صحيح.
وهذا نص، وقد تقدّم في الفاتحة.
وقال الشاعر:
نشدتكم بمنْزِل القرآن ** أمِّ الكتاب السبعِ من مثاني

وقال ابن عباس: هي السبع الطُّوَل: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال والتوبة معًا؛ إذ ليس بينهما التسمية.
روى النَّسائيّ حدّثنا علي بن حُجْر أخبرنا شريك عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله عز وجل: {سَبْعًا مِّنَ المثاني} قال: السبع الطُّوَل، وسميت مثاني لأن العبر والأحكام والحدود ثُنّيت فيها.
وأنكر قوم هذا وقالوا: أنزلت هذه الآية بمكة، ولم ينزل من الطُّوَل شيء إذ ذاك.
وأجيب بأن الله تعالى أنزل القرآن إلى السماء الدنيا ثم أنزله منها نجومًا، فما أنزله إلى السماء الدنيا فكأنما آتاه محمدًا صلى الله عليه وسلم وإن لم ينزل عليه بعد.
وممن قال إنها السبع الطول: عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وسعيد بن جبير ومجاهد.
وقال جرير:
جزى الله الفرزدق حين يُمْسِي ** مُضِيعًا للمفَصّل والمثاني

وقيل: المثاني القرآن كله؛ قال الله تعالى: {كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ} [الزمر: 23].
هذا قول الضحاك وطاوس وأبو مالك، وقاله ابن عباس.
وقيل له مثاني لأن الأنباء والقصص ثُنِّيت فيه.
وقالت صفية بنت عبد المطلب ترثي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فقد كان نورًا ساطعًا يهتدى به ** يُخَصُّ بتنزيل المثاني المعظم

أي القرآن.
وقيل: المراد بالسبع المثاني أقسام القرآن من الأمر والنهي والتبشير والإنذار وضرب الأمثال وتعديد نِعَم وأنباء قرون؛ قاله زياد بن أبي مريم.
والصحيح الأوّل لأنه نصّ.
وقد قدمنا في الفاتحة أنه ليس في تسميتها بالمثاني ما يمنع من تسمية غيرها بذلك؛ إلا أنه إذا ورد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وثبت عنه نص في شيء لا يحتمل التأويل كان الوقوف عنده.
قوله تعالى: {والقرآن العظيم} فيه إضمار تقديره: وهو أن الفاتحة القرآن العظيم لاشتمالها على ما يتعلق بأصول الإسلام.
وقد تقدّم في الفاتحة.
وقيل: الواو مقحمة، التقدير: ولقد آتيناك سبعًا من المثاني القرآن العظِيم.
ومنه قول الشاعر:
إلى المَلِك الْقَرم وابن الهمام ** وليثِ الكَتِيبةِ في المُزْدَحم

وقد تقدّم عند قوله: {حَافِظُواْ عَلَى الصلوات والصلاة الوسطى} [البقرة: 238]. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق} يعني لإظهار الحق والعذاب، وهو أن يثاب المؤمن المصدق ويعاقب الجاحد الكافر الكاذب {وإن الساعة لآتية} يعني: وإن القيامة لتأتي ليجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته {فاصفح الصفح الجميل} إلخ.طاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي فأعرض عنهم يا محمد واعفُ عنهم عفوًا حسنًا.
واحتمل ما تلقى من أذى قومك وهذا الصفح والإعراض منسوخ بآية القتال، وقيل فيه بُعد لأن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، أن يظهر الخلق الحسن وأن يعاملهم بالعفو والصفح الخالي من الجزع والخوف {إن ربك هو الخلاق العليم} يعني أنه سبحانه وتعالى خلق خلقه، وعلم ما هم فاعلوه وما يصلحهم.
قوله: {ولقد آتيناك سبعًا من المثاني والقرآن العظيم} قال ابن الجوزي: سبب نزولها أن سبع قوافل وافت من بصرى وأذرعات ليهود قريظة والنضير في يوم واحد، فيها أنواع من البز والطيب والجواهر، فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها وأنفقناها في سبيل الله فأنزل الله هذه الآية.
وقال: قد أعطيتكم سبع آيات هي خير من هذه السبع القوافل ويدل على صحة هذا قوله: {لا تمدّن عينيك} الآية قال الحسن بن الفضل قلت وهذا القول ضعيف أو لا يصح لأن هذه السورة مكية، بإجماع أهل التفسير وليس فيها من المدني شيء.
ويهود قريظة والنضير، كانوا بالمدينة وكيف يصح أن يقال إن سبع قوافل جاءت في يوم واحد، فيها أموال عظيمة حتى تمناها المسلمون فأنزل الله هذه الآية، وأخبرهم أن هذه السبع آيات هي خير من هذه السبع القوافل والله أعلم، وفي المراد بالسبع المثاني أقوال أحدها أنها فاتحة الكتاب، وهذا قول عمر وعلي وابن مسعود وفي رواية عنه وابن عباس، وفي رواية الأكثرين عنه وأبي هريرة والحسن، وسعيد بن جبير وفي رواية عنه ومجاهد وعطاء وقتادة في آخرين.
يدل على صحة هذا التأويل ماروي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله رب العالمين أم القرآن وأم الكتاب، والسبع المثاني» أخرجه أبو داود والترمذي {ق} عن أبي سعيد ابن المعلى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته» أخرجه البخاري.
وفيه زيادة أما السبب في تسمية فاتحة الكتاب بالسبع المثاني، فلأنها سبع آيات بإجماع أهل العلم واختلفوا في سبب تسميتها بالمثاني.
فقال ابن عباس والحسن وقتادة: لأنها تثنى في الصلاة تقرأ في كل ركعة.
وقيل: لأنها مقسومة بين العبد وبين الله نصفين: فنصفها الأول ثناء على الله.
ونصفها الثاني: دعاء ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تبارك وتعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين» الحديث مذكور في فضل الفاتحة.
وقيل سميت مثاني لأن كلماتها مثناة مثل قوله: {الرحمن الرحيم إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين} فكل هذه ألفاظ مثناة.
وقال الحسن بن الفضل: لأنها نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة ومعها سبعون ألف ملك.
وقال مجاهد: لأن الله سبحانه وتعالى استثناها وادخرها لهذه الأمة فلم يعطها لغيرهم.
وقال أبو زيد البلخي: لأنها تثني أهل الشرك عن الشر من قول العرب ثنيت عناني.
وقال ابن الزجاج: سميت فاتحة الكتاب مثاني لاشتمالها على الثناء على الله تعالى وهو حمد الله وتوحيده، وملكه وإذا ثبت كون الفاتحة هي السبع المثاني دل ذلك على فضلها وشرفها وأنها من أفضل سور القرآن، لأن إفرادها بالذكر في قوله تعالى: {ولقد آتيناك سبعًا من المثاني والقرآن العظيم} مع أنها جزء من أجزاء القرآن وإحدى سوره لابد.
وأن يكون لاختصاصها بالشرف، والفضيلة.
القول الثاني في تفسير قوله سبعًا من المثاني أنها السبع الطوال، وهذا قول ابن عمر وابن مسعود في رواية عنه وابن عباس وفي رواية عنه وسعيد جبير وفي رواية عنه السبع الطوال هي سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف.
واختلفوا في السابعة فقيل الأنفال مع براءة لأنهما كالسورة الواحدة، ولهذا لم يكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم.
وقيل السابعة هي سورة يونس ويدل على صحة هذا القول ما روي عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله سبحانه وتعالى أعطاني السبع الطوال مكان التوراة وأعطاني المئتين مكان الإنجيل وأعطاني مكان الزبور المثاني، وفضلني ربي بالمفصل» أخرجه البغوي بإسناد الثعلبي؛ قال ابن عباس: إنما سميت السبع الطوال مثاني لأن الفرائض والحدود، والأمثال والخبر والعبر ثنيت فيها، وأورد على هذا القول أن هذه السور الطوال غالبها مدنيات فكيف يمكن تفسير هذه الآية بها، وهي مكية وأجيب عن هذا الإيراد بأن الله سبحانه وتعالى، حكم في سابق علمه بإنزال هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم وإذا كان الأمر كذلك صح أن تفسر هذه الآية بهذه السورة، القول الثالث: أن السبع المثاني هي السور التي هي دون الطوال، وفوق المفصل وهي المئين، وحجة هذا القول الحديث المتقدم وأعطاني مكان الزبور المثاني، والقول الرابع: أن السبع المثاني هي القرآن كله وهذا قول طاوس وحجة هذا القول أن الله سبحانه وتعالى قال: {الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثاني} وسمي القرآن كله مثاني لأن الأخبار والقصص والأمثال ثنيت فيه فإن قلت: كيف يصح عطف القرآن في قوله: {والقرآن العظيم} على قوله: {سبعًا من المثاني} وهل هو إلا عطف الشيء على نفسه؟ قلت: إذا عني بالسبع المثاني فاتحة الكتاب أو السبع الطوال فما وراءهن ينطلق عليه القرآن لأن القرآن اسم يقع على البعض كما يقع على الكل ألا ترى إلى قوله بما أوحينا إليك هذا القرآن يعني سورة يوسف عليه السلام.
وإذا عنى بالسبع المثاني القرآن كله كان المعنى ولقد آتيناك سبعًا من المثاني، وهي القرآن العظيم وإنما سمي القرآن عظيمًا، لأنه كلام الله ووحيه أنزله على خير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)}